IBRI Research Report #39 (1990)

يسوع: شهادة النبوة و التاريخ

روبرت س. نيومان

معهد اللاهوت الكتابي

هاتفيلد، بنسلفانيا

حقوق الطبع و النشر ©1990 لـ روبرت نيومان. جميع الحقوق محفوظة.

ملاحظة من المحرر

على الرغم من إتفاق الكاتب مع البيان العقائدي لمعهد بحوث الكتاب المقدس القائمة على تخصصات عديدة (IBRI)، إلا أن هذا لا يعني أن جميع وجهات النظر التي دونها الكاتب في هذه المقالة تمثل المواقف الرسمية للمعهد. و حيث أن إحدى أهداف سلسلة التقارير التي ينشرها معهد IBRI، هو أن تكون بمثابة منتدى للمناقشة قبل الطباعة، لذلك فمن المحتمل أن يكون الكاتب قد نقح بعض جوانب هذه المقالة وقام ببعض التعديلات فيها، منذ أن قام بكتابتها لأول مرة.

رقم الكتاب القياسي الدولي (ISBN): 0-944788-39-4


من بين التنبؤات المذكورة في العهد القديم، تلك المتعلقة بوعد الله لإسرائيل بالمسيا تعتبر ذات أهمية خاصة.  وفقاً للكتاب المقدس، سوف يأتي المسيا يوماً ما و ينقذ شعبه من مضطهديهم.  و سيكون مجيئه بداية عصر ذهبي. ستصير إسرائيل دولة رئيسية و أورشليم عاصمة العالم. سيكون حكم البشرية بالعدل، و سينتهي كل ظلم و قمع. و سيعيش الجميع في أمان في ممتلكاتهم الخاصة يتمتعون بثمار أعمالهم.

و على الرغم من جاذبية هذه النبوءات، إلا ان ردود الفعل عليها كانت متفاوتة.  فوفقاً للمسيحيين، المسيا قد جاء بالفعل، على الرغم من أنه لن يدشن العصر الذهبي هذا حتى عودته؛ فهو يسوع الناصري. و وفقاً لليهود الأرثوذكس، المسيا لم يأت بعد، لكنه سوف يأتي؛ و هو بالتأكيد ليس يسوع. و وفقاً لأكثر من شخص علماني - سواء ديني ليبرالي أم غير ديني - كان المسيا مجرد أمل دون جدوى للكتاب القدماء للكتاب المقدس؛ فلن تظهر شخصية مثل هذه أبداً، على الرغم من أننا قد نتوقع أحياناً زعماء عظماء للعالم.

من هو على صواب؟ هل دليل النص الكتابي و التاريخ البشري لديه ما يقوله حيال هذا السؤال؟ نحن نقترح أنه لديه؛ و أن الأدلة جوهرية؛ و أنه يدعم إفتراضين: (1) لو كان المسيا قد جاء، فهو يسوع الناصري؛ و (2) أن المسيا قد جاء. دعونا نرى.

 

لو كان المسيا قد جاء، فبالطبع يكون يسوع

في العهد القديم، هناك عدد من الملامح عن المسيا و التي تتطابق بشكل رائع للغاية مع يسوع الناصري كما يتمثل في العهد الجديد. فهو سيكون النور للأمم، مولود لكنه سابق الوجود، متواضع و مع ذلك متعالى، و يتألم إلا أنه يسود، وهو ملك رغم أنه كاهن.

 

نور للأمم الوثنية

دعونا نبدأ بدليل واضح جداً لدرجة أن العديد يتغافلون عنه. أود أن أشير إلى فقرتين نبويتين في أشعياء، و هي 42 : 6-7 و 49 :5-6. في الفقرة الأولى، يقول الله لعبده المسيا: (1)

"و أجعلك عهدا للشعب (أسرائيل) و نورا للأمم،‏ ٧لتفتح عيون العمي، لتخرج من الحبس المأسورين، من بيت السجن الجالسين في الظلمة.‏"

و نرى هنا أنه ليس فقط ستكون خدمة المسيا الموعود به لشعبه إسرائيل، لكنه أيضاً سوف يكون نوراً للشعوب، يخلصهم من العمى و العبودية.

في المقطع الثاني ، نرى أن هذا العبد ليس تجسيداً لأمة إسرائيل، كما اقترح البعض، و لكنه متمايز عن إسرائيل في كونه له دوراً فعالاً في رجوع إسرائيل نفسها إلى الله: (2)

"والآن قال الرب جابلي من البطن عبداً له، لإرجاع يعقوب إليه، فينضم إليه إسرائيل .... ٦فقال: "قليل أن تكون لي عبداً لإقامة أسباط يعقوب، ورد محفوظي إسرائيل. فقد جعلتك نورا للأمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض"

و هذا بالضبط ما قد قام به يسوع الناصري! و لا يمكن لأي شخص آخر أن يدعي أبداً أنه المسيا اليهودي و قد قارب هذه المطابقة.  فقبل القرن الأول الميلادي، لم يكن هناك سوى اليهود و عدد قليل من الفلاسفة اليونانيين يؤمنوا بإله واحد. و سوى نسبة صغيرة من سكان العالم قاموا بقراءة الكتاب المقدس.   حيث عبد الأغلبية مجموعة من الآلهة، و الذين قدموا أمثلة فقيرة لأتباعهم؛ و كان مستوى الأخلاق الناتج منخفضاً للغاية بشكل ملحوظ. و لكن اليوم، أولئك الذين يؤمنون بإله واحد يشملون ليس فقط اليهود (14,2 مليون في عام 1980)، و لكن أيضا الأغلبية المسيحية من غير اليهود (1,4 مليار). و يمكننا أيضاً أن نضم المسلمين (723 مليون)، لأنه كما يبدو و أن ظهور الإسلام على الأقل كان نتيجة غير مباشرة للمسيحية. و بالتالي فإن ما يقرب من نصف سكان العالم الآن يدعي الولاء لإله إبراهيم، و معظمهم نتيجة لعمل يسوع.(3)

و حتى بإستثناء الإسلام، حوالي ثلث سكان الأرض يقبلون يسوع على أنه المسيا.  و يوجد هؤلاء في كل القارات و في كل البلدان تقريباً: سواء في الدول الأكثر تقدماً (790 مليون) و الأقل تقدماً (643 مليون)؛ في الدول الغربية ( 547 مليون)، و في العالم الثالث (632 مليون)، و حتى في الدول الشيوعية (254 مليون).(4) حقاً صار يسوع الناصري نوراً للأمم، لأن الأخبار السارة عنه انتشرت في جميع أنحاء العالم و جلب معها الإستنارة الروحية و الخلاص من عبودية الخطية إلى الملايين المضاعفة خلال الألفي سنة الماضية!

فيسوع هو الوحيد الذي إدعى أنه المسيا و الذي أقام ديناً عالمياً. وهو أيضاً الوحيد الذي تحل دعواه عدد من المفارقات المثيرة للحيرة في نبوءات العهد القديم الخاصة بالمسيا.

 

مولود رغم أنه سابق الوجود

و بحسب ميخا النبي، فإن المسيا سيتخذ من بيت لحم مسقط رأس له على الرغم من انه قد كان موجوداً  في كل العصور:(5)

"أما أنت يا بيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على إسرائيل، و مخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل"

و ترجمة المصطلح "مخارجه" حرفياً هى "أصوله"، و التي يمكن أيضاً أن تترجم "أعماله"؛ و غالباً ما تستخدم لتصوير حرب الملوك. و عبارة "منذ أيام الأزل" يمكن إستخدامها إما لفترة محددة أو لانهائية من الزمن.

 

و يقدم لنا النبي أشعياء صورة مماثلة، فيقول: (6)

٦لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا، وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيبا، مشيرا، إلها قديرا، أبا أبديا، رئيس السلام. ٧لنمو رياسته، وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر، من الآن إلى الأبد. غيرة رب الجنود تصنع هذا.‏

و كون أن هذا الشخص هو المسيا هو واضح من الإشارة إلى حكمه الأبدي في جميع أنحاء العالم.  و أنه يولد، مذكورة بشكل صريح، إلا أنه يلقب بالألقاب "أباً أبدياً" و "إلهاً قديراً" و التي تشير إلى سابق وجوده و ألوهيته. و يحاول كل من المتدينين الليبراليين و اليهود التقليل من شأن هذه الألقاب و ذلك لتجنب هذا الإستنتاج.(7)  و مع ذلك، فإن الأدلة النصية في صالح هذه المفارقة، و هى موضحة بدقة في الصورة الذي قدمها العهد الجديد عن يسوع: الشخص الذي هو الله الأبدي و الذي رغم ذلك صار إنساناً من أجل دفع ثمن خطايا أولئك الذين سيؤمنون به.

 

متواضع و مع ذلك متعالى

كانت طريقة مجيء المسيا لغزاً محيراً لمفسري العهد القديم حتى قبل زمن يسوع.  ففي نبوءة دانيال يتم تصويره على انه آتياً في مجد عظيم:(8)

كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام، فقربوه قدامه.‏ ١٤فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض.‏ 

و نلاحظ مرة أخرى، كما كان في الإقتباس السابق لهذا، أن هذا الشخص سيحكم على مملكة عالمية أبدية. بالإضافة إلى أنه سيأتي في سحاب السماء.

على النقيض من ذلك، فإن مجيء المسيا كما يصوره النبي زكريا متواضع جداً: (9)

٩ابتهجي جدا يا ابنة صهيون! اهتفي يا بنت أورشليم! هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادل ومنصور وديع، وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان. 

و تستمر الفقرة في شرح كيف أنه سيأتي بالسلام إلى إسرائيل و الشعوب، وكيف أنه سيحكم من "من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض."  و رغم ذلك، سيأتي هذا الشخص راكباً على حمار، شكل متواضع جداً من وسائل النقل، على الأقل لأنه في ذلك الحين كان يتم ترويض الخيول للركوب.

و قد حاولت التفسيرات اليهودية لجعل ما يقوله زكريا أكثر إثارةً (بأن يقولون بأن الحمار المذكور معجزي و خارق!)، (10) أو يدعون بأن المجيء المذكور في دانيال و زكريا هي مجرد إحتمالات بديلة. (11)  إلا أنه لا يوجد ما يدلل على أي من هذين الرأيين في نص العهد القديم. بل على النقيض من ذلك ، فإن رأي العهد الجديد، حيث يأتي يسوع لأول مرة في تواضع ثم يعود في مجد، يناسب الفقرتين بشكل رائع. و هو حتى يفسر كيف أن المسيا يمكن أن يأتي كطفل و كشخص بالغ على حد سواء، كما يبدوا في الفقرات التي نظرنا اليها بالفعل.

 

يعاني و يتألم إلا أنه يسود

هناك عدد من مقاطع العهد القديم تمثل شخص يتألم، و الذي تنتشر أخبار آلامه و خلاصه من الله في جميع أنحاء العالم. (12) حاول بعض المفسرون اليهود في القرون المسيحية الأولى لشرح هذه المقاطع على أنها لمسيا ثاني، المدعو المسيا بن يوسف (13). و قد افترضوا أن هذه الشخصية عامة؛ و أنه سيجمع قوى إسرائيل، و يحارب جيوش الأشرار جوج وماجوج في معركة نهاية الزمان، ولكنه سيقتل منهم قبل مجيء المسيا الملك، المدعو المسيا بن داود.

و مع ذلك، فإنه من الواضح على ما يبدو أن هذا الشخص الذي يصوره العهد القديم سيُطعن من قبل إسرائيل و ليس من قبل الأمم (14). و على الرغم من المجيء المتواضع المذكور في زكريا 9 : 9 الذي بدا من المعقول أنه يخصه، إلا أنه ليس ملكاً كما هو مطلوب من قبل المذكور في زكريا.  بالإضافة إلى ذلك، فإن فقرة الآلام الرئيسية في العهد القديم، أشعياء 52 : 13-53 : 12، تعتبر ذروة ما يسمى بالفقرات الخاصة بالعبد الخادم، و التي سبق أن نظرنا لإثنين منها في وقت سابق (أشعياء 42: 6  و 49 : 6). تصور هذه الفقرات شخص يكون "نوراً للأمم" - ليس مصطلح مناسب لشخص نشاطه الأساسي نحو الأمم هو أن يقاتلهم!

في الواقع، تتطابق فقرات أشعياء52 : 13-53 : 12 بشكل بديع صورة العهد الجديد ليسوع: "محتقر و مرذول" في صلبه على يد كل من اليهود و الأمم على حد سواء (53 : 3)، و عومل بهذا الشكل حتى أن أن العديد اعتبروه تحت غضب الله (53 : 4). كان صامتاً بشكل غريب في محاكمته و إعدامه (53 : 7). و على الرغم من القرار أن يتم دفنه في قبر جماعي مع المجرمين، إلا أنه دُفن فعلاً في قبر رجل غني (53 : 9). و كان موته طريق الله لدفع ثمن خطايانا (53 : 4، 5، 6، 8)، متمماً صورة العهد القديم لذبيحة الخطية (53 : 10). و بعد موته عن الخطيئة، "يرى نسلاً تطول أيامه" و "يبرر كثيرين" (53 : 10-11). في الواقع، و بإستخدام مصطلحات التطهير المذكورة في اللاويين، "ينضح أمما كثيرين" (52 : 15). و ستغلق ملوك أفواههم عندما يسمعون عنه، و سيتم إعلائه و رفعه (52 : 13، 15).

 

ملك إلا أنه كاهن

تم الإحتفاظ بوظيفة الملك و الكهنوت منفصلة بشكل دقيق في العهد القديم. فلابد أن يكون الكهنة من بني هارون من سبط لاوي؛ و الملوك من أبناء داود من سبط يهوذا. و عندما حاول الملك عزريا أن يأخذ الكهنوت بتقديم البخور في الهيكل، حاول رئيس الكهنة عزريا مع ثمانين من زملائه أن يمنعوه. و قد باءت كل جهودهم بالفشل إن لم يتدخل الله نفسه و ضرب عزريا بالبرص (15).

و بالتالي فإنه ليس من المستغرب عند ظهور ملامح كهنوتية في النبوات اليهودية عن المسيا، فإن بعض المفسرين القدماء يفترضون إثنين من المسيا، واحد كاهن و آخر ملك (16).  لكن تحسم فقرة معينة من العهد القديم بأن هذا الكاهن و الملك هم فرد واحد.  في مزمور 110، و الذي يتحدث عن المسيا يجلس على يمين الله حتى يهزم الله أعدائه، وصف المرتل المسيا كملك بالكلمات، (17)

          "يرسل الرب قضيب عزك من صهيون. تسلط في وسط أعدائك ٣شعبك منتدب في يوم قوتك،"

و مع ذلك، بعد آيتين فقط، يتحدث بشكل مباشر عن الشخص نفسه، و يقول، (18)

"أقسم الرب ولن يندم: "أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق".

وبالتالي شخص واحد سيكون الكاهن و الملك في نفس الوقت، "يدين بين الأمم" "يسحق كل ملوك الأرض" (19). في الواقع، و لأن الكهنوت و الملوكية في إسرائيل ظلت منفصلة تماماً، فكان على المرتل أن يعود إلى سفر التكوين،لملك أممي، ملكي صادق، (20) للعثور على أي مثال لكاهن-ملك بار كأساس للمقارنة مع المسيا!

و مع هذا، فإن تصوير العهد الجديد عن يسوع يناسب هذا الأمر بشكل رائع. فهو لم يقم فقط بدور الكاهن، لكنه شغل أيضا منصب الذبيحة ليقدم كفارة عن خطايا شعبه (21). و لكن في مجيئه الثاني، قال انه سيأتي كملك ليحكم إلى الأبد (22).

وبالتالي، و من المسلم به أن يسوع الناصري قد بدأ دين عالمي و الذي أدخل الأمم إلى نور التوحيد، إله إبراهيم، و أخلاقيات الكتاب المقدس. و قد قدم أيضاً الحلول لبعض مفارقات العهد القديم عن المسيا: كيف يمكن أن يكون مولود رغم أنه سابق الوجود، متواضع رغم أنه متعالى، يتألم رغم أنه يسود، ملك رغم أنه كاهن. فإذا ما قد جاء المسيا، فهو بالتأكيد يسوع الناصري!

 

لقد جاء المسيا

ولكن ربما لم يأت المسيا بعد.  يرفض كل من اليهود و اللاهوتيين الليبراليين بإنتظام مسيانية يسوع على أساس أنه لم يأت بعد و بأي شكل ممجد، و لم يسحق مادياً كل معارضة للله و لم يأت بعد بالعصر الذهبي للسلام و البر. لذا، فهو لم ينجز بعد العمل الأكثر وضوحاً الذي يقول الكتاب المقدس أن المسيا يقوم به.  و إذا لم يكن بعد قد عاد، كيف لنا أن نعرف أنه سيفعل ذلك؟

سؤال جيد. إذا لم يكن يسوع هو المسيا، فبالتالي نحن لا نريد أن نؤمن به، و نقدم حياتنا لوهم، و ننتظر عبثاً مجيئاً لن يحدث أبداً.  من ناحية أخرى، إذا كان يسوع هو المسيا، فلا يمكننا تحمل تكلفة الإنتظار حتى مجيئه الثاني لنفعل شيئاً حيال ذلك، ما لم يكن هناك سبب سوى أننا قد لا نحيا طويلاً جداً و هو يدعي أنه العلاج الوحيد للخطية. كيف يمكن أن نقرر؟

نقترح أن المسيا قد جاء لأن بعض النبوءات الزمنية المتعلقة به قد نفذت، و قد انتهت بمثل هذه الطريقة حتى أنه لم تعد نافعة للإشارة إلى يسوع على أنه المسيا.

 

كان يجب أن يأتي المسيا

بينما كان لدولة يهوذا حكامها الخاصين.

عندما كان أبو الآباء يعقوب على وشك الموت، قدم شفاهةً لابناءه الاثنا عشر شهادة شعرية، و تنبأ بأمور في المستقبل خاصة بالقبائل التي تنحدر منهم تباعاً. فقال بشأن يهوذا،: (23)

          "لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب"

وبالتالي فإن الحاكم العالمي، الذي ينتمي له الصولجان/القضيب، هو آتٍ قبل أن يزول القضيب من يهوذا.  لم يكن إلا بعد خمسمائة سنة من وفاة يعقوب أن صار الملك أول مرة لسبط يهوذا في شخص داود، بعد أن كان فيه شاول من سبط بنيامين. بعد ذلك، ظل المُلك في بيت داود (على الرغم من تمرد الأسباط الشمالية و تشكيلهم لدولة خاصة بهم) حتى سقوط المملكة الجنوبية في عام 587 قبل الميلاد وهكذا ظل الصولجان في سبط يهوذا لحوالي خمسمائة سنة حتى السبي البابلي. في تلك المرحلة، بمعنى ما، غادر الصولجان من يهوذا، و لم يعد أبداً. و بتتبع هذا الخط من التفسير، يمكن للمرء أن يقول أنه كان ينبغي أن يأتي المسيا قبل سنة 587 قبل الميلاد، و كونه لم يفعل، فينبغي أن نصبح جميعاً بوذيين أو ملحدين.

و حتى الآن، و بمعنى آخر، لم يزل الصولجان بعد، لأنه في وقت لاحق سيحكم ملوك أواخر الزمان من اليهود مرة أخرى على يهوذا. يتواجد غموض هنا، تماماً كما في العبارة الإنجليزية "أن ترحل من المدرسة" غامضة - في معنى ما الواحد يمكنه الرحيل من المدرسة كل يوم، و لكن بمعنى آخر لم يرحل من المدرسة و يتركها حتى التخرج. هكذا الأمر هنا.  أولاً كان هناك الحشمونيين، معروفين أكثر بالمكابيين، و الذين حكموا و اتخذوا لقب "ملك اليهود" من 103 قبل الميلاد إلى 63 قبل الميلاد. ثم جاء هيرودس الكبير، الأدومي الذي قال عنه كاتب سيرته أنه من اليهود، الذي حكم بإسم "ملك اليهود'' من 40 قبل الميلاد إلى 4 قبل الميلاد. و أخيراً كان هناك هيرودس أغريباس حفيده الأول، سليل كل من الحشمونيين و هيرودس، الذي حكم بنفس اللقب من 41 م إلى 44. بعد ذلك، لم يحكم أحد كملك لليهود حتى يومنا هذا.

في هذا المعنى الثاني، لم يترك الصولجان عن يهوذا حتى جاء يسوع. ولكن لا أحد يأتي بعد 44 م يمكنه أن يقوم بهذا الإدعاء. فلو تم فهم تكوين 49 : 10 في هذا المعنى، فكان ينبغي أن يكون المسيا قد جاء قبل 44 م. 

 

كان يجب أن يأتي المسيا

بينما الهيكل الثاني قائم.

 

عند إعادة بناء هيكل أورشليم حوالي سنة 515 قبل الميلاد، سعى النبي حجي لتشجيع الناس، و قائدهم زربابل و يشوع رئيس الكهنة. مع ملاحظة حقيقة أن المبنى الجديد كان من الواضح أنه لا يقارن مع هيكل سليمان، يقول حجي: (24)

"من الباقي فيكم الذي رأى هذا البيت في مجده الأول؟ وكيف تنظرونه الآن؟ أما هو في أعينكم كلا شيء!‏ ٤فالآن تشدد يا زربابل، يقول الرب. وتشدد يا يهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم، وتشددوا يا جميع شعب الأرض، يقول الرب. واعملوا فإني معكم، يقول رب الجنود.‏ ٥حسب الكلام الذي عاهدتكم به عند خروجكم من مصر، وروحي قائم في وسطكم. لا تخافوا.‏ ٦لأنه هكذا قال رب الجنود: هي مرة، بعد قليل، فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة،‏ ٧وأزلزل كل الأمم. ويأتي مشتهى كل الأمم، فأملأ هذا البيت مجداً، قال رب الجنود.‏ ٨لي الفضة ولي الذهب، يقول رب الجنود.‏ ٩مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول، قال رب الجنود. وفي هذا المكان أعطي السلام، يقول رب الجنود".

يتنبأ حجي بوضوح أن مجد الهيكل الثاني سيتجاوز مجد الأول، أي هيكل سليمان. و توجد في هذه النبوءة كلمتين غامضتين، "مشتهى" و "مجد''.   الأولى يمكن أن تُستخدم للإشارة إلى شخص(25) أو إلى ثروة (26). و الثانية يمكن أن تعني حضور الله (27) أو ثروة الله (28). و كل هذا له معنى في السياق. فقد امتلأ هيكل سليمان بالثروة، و مجد حضور الله عليه في تدشينه. و مع إستعادة أرض الميعاد، سيتطلع اليهود بلا شك لمجيء المسيا، نور الأمم سيكون الشخص "مشتهى جميع الأمم". و زكريا، زميل حجي، في الواقع، يقدم عدد من التوقعات الخاصة بالمسيا في هذا الوقت (29).

نحن لا نعرف مدى ثروة هيكل سليمان، و لذا فإننا لا يمكن مقارنتها مع الهيكل الثاني، و لكنها كانت بالتأكيد كبيرة. و عن الهيكل الثاني نعلم أن هيرودس الكبير قام بتوسيعه و تخصيبه بشكل كبير في السنوات التالية لسنة 20 قبل الميلاد حتى أصبح واحداً من الأعاجيب المعمارية في العالم القديم.  و بالتأكيد، صار المجد المادي للهيكل الثاني أخيراً عظيماً جداً، عندما جاءت الثروة إليه من جميع أنحاء العالم القديم خلال القرن السابق لتدميره في 70 م.

ولكن بالنسبة لليهود، المجد الرئيسي لهيكل سليمان، و للخيمة قبل ذلك، هو حضور  و وجود الله الذي يتجلى في سحابة المجد و في تابوت العهد. و قد تم فقدان التابوت على ما يبدو عند تدمير أورشليم من قبل البابليين في 587 قبل الميلاد. و سواء تم نقله إلى بابل، أو تم تدميره بالنيران عندما أُحرق الهيكل، أو صار مخبأه بعيداً، هذا أمر غير معروف.  على أي حال، لم يكن هناك تابوت العهد في الهيكل الثاني. أما سحابة مجد حضور الله التي جاءت على الخيمة (30) و الهيكل الأول (31) عند تدشينهم كان مطلوباً أيضاً للهيكل الثاني، إلا إذا جاء الله في شخص يسوع، الذي وفقاً للعهد الجديد كان هو الله نفسه الساكن بين البشر (32). في هذا المعنى الأهم، بعد ذلك، فإن مجد الهيكل الثاني لم يتجاوز مجد الأول ما لم يأت المسيا قبل تدميره في 70 م.

 

كان ينبغي أن يأتي المسيا

بعد الدورة السبتية الـ69.

في الإصحاح التاسع من سفر دانيال، قد علم النبي للتو من دراسته للأسفار المقدسة أن مدة السبي البابلي هي سبعين عاماً.  و بإدراكه أن هذه الفترة الزمنية على وشك الإكتمال تقريباً، صلى دانيال إلى الله، و اعترف له يخطاياه و خطايا شعبه. و بينما هو يصلي، ظهر له الملاك جبرائيل و أبلغه بأن لا تزال هناك سبعين دورة سبتية لإكمال برنامج الله لاسرائيل. و جزء من هذه النبوءة يقدم لنا التسلسل الزمني الذي يسبق مجيء المسيا: (33)

 ٢٥فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس (المسيا) سبعة أسابيع (دورات سبتية) واثنان وستون أسبوعا، يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة.‏ ٢٦وبعد اثنين وستين أسبوعا يقطع المسيح وليس له، وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس، وانتهاؤه بغمارة، وإلى النهاية حرب وخرب قضي بها.‏

إن سياق دانيال 9، فيما يخص فترة السبي البابلي، ينقلنا إلى إرميا، حيث تم تحديد فترة السبعين سنة (34). و يتقدم لنا اللعنات في سفر اللاويين المبدأ العام الذي يكمن وراء هذا الرقم المحدد: (35)

"وأذريكم بين الأمم، وأجرد وراءكم السيف فتصير أرضكم موحشة، ومدنكم تصير خربة.‏ ٣٤حينئذ تستوفي الأرض سبوتها كل أيام وحشتها وأنتم في أرض أعدائكم. حينئذ تسبت الأرض وتستوفي سبوتها.‏ ٣٥كل أيام وحشتها تسبت ما لم تسبته من سبوتكم في سكنكم عليها.‏"

و وفقاً لسفر اللاويين (36)، و كانت وصية الرب لليهود أن يتركوا الأرض لتستريح لمدة سنة واحدة من بين كل سبعة سنوات بعدم زرعها، شيء من هذا القبيل مثل فكرة تناوب المحاصيل التي لدينا مع الفرق أن كل الأرض تستريح في نفس العام. و على ما يبدو، لم يحفظ اليهود هذا العام السابع المطلوب لراحة الأرض لمدة سبعين مرة أثناء سكناهم في أرض الميعاد. و هكذا، ارسلهم الله في السبي و حصلت الأرض على سبعين سنة سبتية للراحة مرة واحدة. و بالتالي عندما أتى جبرائيل برسالته عن سبعين "إسبوعاً" آتية، فالإسبوع بطبيعة الحال يجب أن نفهمه على أنه يشير إلى دورة إستخدام الأراضي ذات السبع سنوات. و يجب أن يأتي المسيا و يقطع بعد 69 (7 + 62) من مثل هذه الدورات.

و على ذلك، متى يبدأ حساب هذه الفترة الزمنية؟

وفقاً للنبوءة، " من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها".

و على الأرجح يكون هذا الأمر هو المرسوم الذي أصدره الملك الفارسي أرتحشستا الأول، في السنة العشرين من حكمه، (37) الذي يسمح لنحميا ساقي الملك اليهودي بالعودة إلى أورشليم كحاكم مع مجموعة لإعادة بنائها. و وفقاً لأفضل المعلومات المتاحة، (38) فإن هذا يكون 445 قبل الميلاد.

و يجب أن يتم الحساب نفسه في وحدات الدورات السبتية بدلاً من السنوات.  و لقد مكنتنا أحدى الأعمال الأثرية الحديثة من تحديد بداية و نهاية الدورات السبتية في الأزمنة الغابرة (39).   و نجد أن نقطة البداية لنا هى سنة 445، و التي تقع في الدورة السبتية 449-442 قبل الميلاد.  و بأسلوب اليهود للعد الشامل المعتاد، و هذه ستكون أول سنة سبتية. و يتعين أن تكون الدورة الـ 69 هى 28-35م، و "بعد" هذه الدورة يعني بعد بدايتها (40).

و هكذا ينبغي أن يأتي المسيا و يتم قطعه في الفترة من 28-35م، و التي تمتد بالضبط لفترة خدمة يسوع الناصري العامة!

 

الإستنتاجات

و كما اقترحنا في القسم الأول أعلاه، فإن نبوءات الكتاب المقدس عن المسيا تشير بقوة أنه إذا جاء بالفعل فيجب أن يكون هو يسوع الناصري. و المواد التي نوقشت في التو تشير إلى (1) أن المسيا كان من المقرر أن يأتي بينما كان لم يزل ليهوذا حكامها الخاصين بها، و هي الحالة التي انتهت في 44 م. و أن النبوة عن مجد الهيكل الثاني أن يكون أعظم على أقل تقدير تشير إلى (2) أن المسيا كان من المفترض أن يأتي في حين يكون الهيكل الثاني ما زال قائما، و لكن تم تدمير هذا الهيكل على يد الرومان في عام 70 م. و أخيراً ما يسمى نبوة السبعين إسبوعاً لدانيال تشير (3) أن المسيا يجب أن يأتي و يُقطع في الدورة السبتية 28-35 م. كل هذه الظروف تناسب يسوع الناصري و يصعب أن تناسب أي شخص آخر.

و بطبيعة الحال، يمكن للمرء أن يعترض بأن الكتاب المقدس هو مجرد تخمينات لإنسان من العصر القديم و يحدث بالصدفة فقط أنها تتناسب مع يسوع في هذه النقاط. و أقترح أن المعلومات التاريخية التي لدينا عن يسوع تشير إلى أنه هو نفسه ليس صدفة، حتى أن الأدلة لعمله المعجزي و قيامته من بين الأموات قوية (41)، للدرجة التي من شأنها أن تجعل المرء أحمق في تصميمه على نظرية الصدفة بينما تشير الأدلة أن وجهة النظر العالمية خاطئة.

و من بين كل الإدعاءات اليهودية المسيانية، الواحد الذي يمكن اعتباره شخصية تاريخية و معلم أخلاقي فائق للوصف (حتى من قبل الملحدين) هو يسوع الناصري. و أنه "تمم بالفعل" خدمته العامة القصيرة، و قد "قُطع" في الفترة من 28-35م! لقد جاء المسيا، و هو يسوع.

 

المراجع

1.   أشعياء 42 : 6-7. الإقتباسات الكتابية في هذه المقالة من الكتاب المقدس نسخة سميث فانديك باللغة العربية.

2.   أشعياء 49 : 5-6

3.   الإحصائيات من ديفيد ب. باريت، موسوعة العالم المسيحي (نيروبي، أكسفورد و نيويورك : مطبعة جامعة أكسفورد، 1982)، ص 4 ، 6.

4.   المرجع نفسه .

5.   ميخا 5 : 2.

6.   أشعياء 9 : 6 - 7.

7.   جمعية النشر اليهودية: الكتاب المقدس وفقاً للمخطوطات الماسوريه (1971 و 1945) تترجم الألقاب في النص كإسم علم بالحروف الكبيرة، و نقلت الترجمة إلى الحاشية حيث يتم التعامل معها باعتبارها جملة تشير الى الله بدلاً من المسيا. و يترجم الكتاب المقدس الجديد (1970) اللقب الثاني على أنه "في معركة مثل الله،'' على الرغم من أنها في أي مكان آخر تترجم على أنها "الله القدير'' .

8.   دانيال 7: 13-14

9.   زكريا 9 : 9

10. التلمود البابلي، السنهدرين 98 : أ.

11. المرجع نفسه .

12. انظر، على سبيل المثال، مزمور 22 .

13. انظر الموسوعة اليهودية (1901-1906)، 8: 511-512؛ الموسوعة اليهودية (1971-1972)، 11 : 1411 .

14.  زكريا 12 : 10 .

15. اخبار الأيام الثاني 26 :16-21 .

16. دليل التلمذة 9 : 10؛ شهادة لاوي 18 : 16؛ شهادة يهوذا 24 : 9 .

17. مزمور 110 : 2

18. مزمور 110 : 4

19. مزمور 110 :  6

20. تكوين 14 : 18-20 .

21. عبرانيين 4 : 14 حتي 5 :10؛ 7 : 1 حتي 10 : 18 .

22.  عبرانيين 1 : 8؛ رؤيا 19 :11-16 .

23. تكوين 49 : 10. لمزيد من النقاش عن تلك المفارقات الخاصة بالعهد القديم، انظر طبعة روبرت سي نيومان، الدليل على النبوة (هاتفيلد، بأ : معهد اللاهوت الكتابي IBRI ، 1988)، الفصل 9 .

24. حجي 2: 3-9

25. صموئيل الأول 9 : 20 و دانيال 9 : 23 و 11 : 37

26. اخبار الايام الثاني 20 : 25؛ 32 : 27 .

27. الخروج 40 : 34-35؛ ملوك الاول 8: 10-11 .

28. مزمور 49 : 16-20 .

29. انظر، على سبيل المثال، زكريا 6 : 12؛ 9 :9؛ 12 : 10 .

30. الخروج 40 : 34 .

31. ملوك الاول 8 : 10

32. يوحنا 1 : 14 و 17-18

33. دانيال  9 : 25-26. ما بين قوسين كتبه المؤلف.

34. ارمياء 25 : 11-12؛ 29 : 10 .

35. لاويين 26 : 33-35.

36. لاويين 25 : 1-7 .

37. نحميا 2 : 1-9 .

38. جاك فاينجان، كتاب التسلسل الزمني في الكتاب المقدس (برينستون: مطبعة جامعة برينستون، 1964)، الجزء 336 .

39. بن صهيون واتشولدر، "تقويم الدورات السبتية خلال فترة الهيكل الثاني و الحقبة الربانية المبكرة'' حولية كلية الاتحاد العبرية 44 (1973)، 153-196 .

40. و تعتبر طريقة العد الشامل اليهودية كالوحدة الأولى التي تحتوي على نقطة البداية.   عبارة "بعد -كذا- وحدة'' تعني بعد أن بدأت هذه الوحدة كذا. نلاحظ يحدث هذا الإستخدام أيضا في الأناجيل، حيث "في اليوم الثالث''  يعادلها "و بعد ثلاثة أيام''. لمزيد من التفاصيل، راجع نيومان، الدليل على النبوة، الفصل 10 .